Mans
عدد الرسائل : 60 تاريخ التسجيل : 08/02/2007
| موضوع: سيره الرسول محمد صلي الله عليه و سلم(1) الجمعة فبراير 09, 2007 3:14 pm | |
| ميلاد مبارك
في ذلك المحيط الصاخب بالجاهلية، وكل مظاهر التيه والزيغ والبغي، ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (صلّى الله عليه وآله). ولحكمة إلهية وُلد يتيماً، فقد تُوفي أبوه عبد الله في طريق عودته من الشام من تجارة له، ومحمد (صلّى الله عليه وآله) ما زال جنيناً في رحم أمه آمنة بنت وهب (رضي الله عنها). وكان ميلاده المبارك في شهر ربيع الأول بعد حادثة هلاك أصحاب الفيل المشهورة (سورة الفيل) ـ التي أرخها القرآن الكريم بسورة منه كاملة ـ بشهر أو أكثر، ولد (صلّى الله عليه وآله) فأرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً بلبن ولدها مسروح، انتظاراً لقدوم المرضعات من نساء البوادي، إذ كان من دعاة أهل مكة أن يسترضعوا لأولادهم نساء أهل البادية، طلباً للفصاحة والفروسية. وكالمعتاد قَدِمتْ على مكة عشر مرضعات من قبيلة سعد بن بكر فأصبن الرضاع، إلا واحدة منهن، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله، فعرض عليها الوليد محمد (صلّى الله عليه وآله) فتبرّمت لكونه يتيماً، وما ينجم عن اليتم عادة من قلة ذات اليد، فاستشارت زوجها الحارث الذي كان يصحبها، قائلة: أنها تكره العودة بغير رضاع ولم يبق أمامها إلا هذا الطفل اليتيم، فأشار عليها زوجها أن تأخذ الطفل عسى الله أن يجعل لهما فيه خيراً. وما أن ألقمته ثديها حتى درّ لبنُها غزيراً، في حين كان ولدها يتضور جوعاً بسبب قلة لبنها قبل ذلك. ومن ثمّ تجلّت بركة الوليد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) في الحي قاطبة، حتى عادت المرابع ممرعة خضراء، بعد أن كانت قاحلة مجدبة. وبعد أن أكمل تمام السنتين، وفطم من الرضاع عادت به حليمة إلى مكة لزيارة أمه وذويه، فحدثتهم عن آثار عظمة الطفل، ومظاهر الخير فيه، ثم عادت به إلى الحي مجدداً.
وفي العام الخامس من عمره المبارك عادت به حليمة إلى أهله، حيث استقبلت مرحلة الصبا.
والمتتبع لحياة الرسول (صلّى الله عليه وآله) منذ تلك السن المبكرة لا يسعه إلا أن يسلم بخضوعه خضوعاً مباشراً لرعاية الله سبحانه وتعالى، لا أقول الرعاية الصحية، والنمو السليم فحسب، وإنما الرعاية الخاصة بالإعداد المباشر من أجل النهوض بأعباء الرسالة العظمى فيما بعد.
وقد انطوت كتب السيرة على أحداث غاية في الأهمية تجسد بعمق حقيقة أن الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان خاضعاً لِلون خاص من الإعداد الإلهي لتحمل أعباء المستقبل، وهذه جملة بما تقطع به كتب السيرة الصحيحة في هذا المضمار.
• فعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في خطبته القاصعة:
(ولقد قَرَنَ الله به (صلّى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليلة ونهاره..). (نهج البلاغة، تبويب صبحي الصالح، ط1، س1967، ص300)
• وعن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وهو بصدد الإشارة إلى مسألة الإعداد الإلهي الخاص لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) قبل الدعوة: (ووكل بمحمد ملكاً عظيماً منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات، ومكارم الأخلاق، ويصده عن الشر ومساوئ الأخلاق). (بحار الأنوار، ج15، للشيخ المجلسي، ط طهران، ص363)
• وعن داود بن الحصين يقول بهذا الصدد: (فشب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يكلؤه الله، ويحوطه من أقذار الجاهلية، ومعايبها، لما يريد به من كرامته، ورسالته حتى بلغ أن كان رجلاً أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً..). (سبيل الهدى والرشاد ج2، ص198، لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي نقلاً عن ابن سعد وابن عساكر وغيرهما)
ولقد كان من آثار ذلك الإعداد الرباني المباشر له، أن المصطفى (صلّى الله عليه وآله) كان موحّداً لله عز وجل منذ سني حياته الأولى، وكان يعلن عداؤه للأوثان بلا تحفظ. (الوفاء بأحوال المصطفى ج1، ص133، وسبيل الهدى والرشاد ج2، ص199، والبحار ج15، ص410)
وكان يحج بيت الله تعالى، ويأبى تناول ما يذبح على النصب، فضلاً عن تسميته على كل طعام، وحمده لله تعالى بعده، إلى جانب ما تحلى به من الاستقامة في الخلق، والتزام الفضيلة في القول، والعمل، حتى سماه قومه (الصادق الأمين) كصفة مميزة له من سواه. | |
|